القائمة الرئيسية

الصفحات

قصه الظابط المنتحر والقاتل جن

 

الضابط المنتحر



انا ظابط، وبعد ما أتبعتت القضية للنيابة، والتحقيقات أتحفظت ومعاها القضية هي كمان، أبتسمت وقعدت على مكتبي، كنت ببتسم أبتسامة حزن وألم وأنا عينيا مليانة دموع، الإرهاق حرفياً كان واخد جزء من روحي، وده إللي خلاني فتحت نسخة كنت صورتها بطريقتي من ورق القضية قبل ما تروح للنيابة وقريته للمرة الأخيرة، بعد كده مسكت ورقة وقلم وأبتديت أكتب.


البداية من عند طفل صغير أتولد في منطقة شعبية، كان مضطهد من زمايله لأنه كان رفيع أوي، متخيل لما تبقى لسه طفل في سنة أولى إبتدائي، وتلاقي كل زمايلك بيقولوالك يا "موميا" عشان جسمك أقل وأرفع من أجسامهم، حقيقي مأساه، ومش دي بس المآساه إللي عاشاه الطفل، ده بعد ما كبر شوية ووصل للمرحلة الإعدادية، أتصاحب على بنت جارته من ذوي الإحتياجات الخاصة، ولو هتسأل نفسك هو ليه أتصاحب عليها؟!! فأنا هقولك إنها كانت في نفس عمره تقريباً، كانت طيبة لأبعد الحدود، فبالتالي ماكانتش بتتريق عليه ولا بتقوله الكلمة إللي فضلت ملازماه من إبتدائي.

موميا إللي كان بيقابل البنت دي عند ساحة فاضية قريبة من بيتهم هم الإتنين، وفي كل مرة كان بيقعد يتكلم معاها ويحكيلها عن إللي تاعبه وعن أضطهاد زمايله له، وبعد ما كان بيخلص كل كلامه وفضفضته، البنت كانت بتطبطب عليه وتقوله بحنيتها وطريقتها الغريبة في الكلام (تزعلش يا أُمر)، فكان بيبصلها ويبتسم وهو عارف إن إسمه اللي هو "عمرو" نُطقه صعب على لسانها، فكانت بتقوله "يا أُمر" وهو كان راضي بده


ومبسوط جداً لأنه متقبلها زي ماهي متقبلاه، يااه؛ صعب أوي إنك تلاقي في الزمن ده حد يتقبلك بشكلك ومشاكلك وبالمُر إللي فيك قبل حلو، بس بالنسبة لعمرو الموضوع ماكنش صعب، لأنه بالفعل قابل "هُدى" البنت إللي حبته زي ماهو، حبته حب طاهر من القلب، كان حب أخ لأخته، أو ملاك حارس لإنسان جواه قلب أبيض طاهر، بس الحياة لونها ماكنش بنفس لون قلب عمرو وهدى، فكل شيء في علاقتهم أتغير لما في مرة وهم قاعدين مع بعض، بصت له هدى وأبتدت تقوله وهي بتعيط:



(أُودى تعبانة.. كل يوم.. كل يوم أبدو بيضربها، بياخدها جوة الأوضة تاعته ويضربها)، أستغرب عمرو من كلام هُدى، كلام هُدى إللي بالرغم من إنه فاهمه وعارف كويس إنها تقصد بيه (هُدى تعبانة.. كل يوم عبده بيضربها، بياخدها جوة الأوضة بتاعته ويضربها) ألا إنه أستغرب وسألها بلهفة:

(عبده مين اللى بيضربك يا هُدى، وبيضربك إزاي؟؟!)


بصت هدى في الأرض وردت عليه وهي لسه بتبكي:



(أبدو في المدرسة.. فراش.. بيضربني هنا)
وشاورت على مكان حساس في جسمها!!!
بص لها عمرو وهو مبرق، عقله الصغير ماكنش قادر يصدق إن عبده فراش مدرسة التربية الفكرية، ممكن يكون بيتحرش بهدى أو بيغتصبها، وعشان كده أقنع نفسه وأقنعها إن عم عبده مش ممكن يكون قاصد يأذيها، لكنه في نفس الوقت برضه قالها بعد ما فكر مع نفسه لثواني:



(طيب ماتخافيش يا هدى، هو أكيد عم عبده كان مايقصدش يضربك، أو أكيد كان بيضربك عشان مصلحتك، بس عشان ماتتعبيش من الضرب إللي بيضربهولك، الصبح لازم تشتكي للمديرة وتحكيلها على كل حاجة)



هزت له راسها وقالتله موافقة، بعدها مشي عمرو وهو حاسس بقلق وخوف على هُدى، وفي نفس الوقت كان حاسس إنه عمل إنجاز لما قالها تروح تحكي لمديرة المدرسة، وده ببساطة لأن لو عبده فعلاً قاصد يأذيها، فبكده لما تقول للمديرة، هتعاقبه أو هتأذيه، بس ده في ماحصلش.



إللي حصل إن هُدى بعد إللي حصل ده ماتت، أيوة.. أختفت من تاني يوم وبعدها بفترة لقوها مقتولة ومرمية جنب صندوق قمامة!!!



ماحدش شك في عبده ولو للحظة، وده لأن أساساً ماحدش كان يعرف باللي هو بيعمله معاها غير عمرو.. عمرو إللي بعد ما عرف خبر موت هدى؛ جت له حالة نفسية وفضل فاقد النطق لشهور، ماكنش بيتكلم مع حد، الكوابيس ماكانتش بتفارقه، بس دايماً هدى كانت بتجيله في أحلامه وبتقوله جُملتين ماكانتش بتقولهم بطريقتها المعتادة، دي كانت بتظهرله بشكلها العادي وكانت بتقوله بصوت مسموع وكلام مفهوم.. (عبده قتلني.. أقتل عبده)



وفضل عمرو على الحال ده لحد ما أهله عزلوا من المنطقة كلها، بعدها مرت سنين، وعمرو أو "موميا" أتغير مبقاش هو الطفل الرفيع إللي زمايله بيعايروه بشكله، أتغير وبقى شخص ناضج وجسمه بقى أقوى، وبعد ما خلص مرحلة الثانوية ودخل الكلية إللي كان نفسه فيها وأتخرج وأشتغل كمان، جت له هدى في المنام من تاني، جت له بعد ما كان نسيها لأنها كانت بطلت تيجي في أحلامه من بعد ماساب المنطقة بحوالي سنتين، لكنها لما جت له المرة دي، كانت واقفة قصاد باب المدرسة إللي كانت فيها، كانت غضبانة وبتشاور له على أوضة صغيرة جنب باب المدرسة من جوة وهي بتقوله:
(عبده لسه جوة.. عبده لازم يموت).



وكأنها بتفكره باللي كان نسيه من سنين، أو مثلاً بتوصله رسالة عشان ينتقم لها منه، لكنه حاول رغم الكابوس إللي شافه ورغم كل تأنيب الضمير إللي جواه، حاول إنه ينسى ويعيش، بس للأسف الكابوس أتحول لروتين يومي مُعتاد خلى حياة عمرو جحيم، وعشان يخلص من الجحيم ده، قرر أخيراً إنه يواجه عبده، راح له في ليلة المدرسة، خبط على الباب كذا خبطة لحد ما صحي عبده ورد عليه من ورا الباب:
(مين.. أنت مين وعاوز أيه في ساعة متأخرة زي دي؟!)
أتشجع عمرو وقتها وقال له بكل ثقة:




(معلش يا حاج.. أنا عربيتي عطلت جنب المدرسة وأنا مش من هنا، وكمان المنطقة مفيهاش بيوت كتير، فأنا أول حاجة جت في دماغي إن أنا أخبط عليك، ماتقلقش، أنا بس عاوز أملى إزازة المايه دي عشان أفضي منها في العربية وأدورها، وبعد كده همشي على طول).



بص عبده عليه من فتحة في الباب بحذر، وبعد ما شافه أتأكد من هيئته وأطمن له، فتحله الباب ودخله أوضته وقال له بإبتسامة عريضة: (أتفضل أتفضل، ثواني يا بيه وهملى لك الإزازة)، خد عبده الإزازة وراح يملاها من الحنفية، بس وهو بيملاها قال له عمرو بصوت عالي:



(مابتخافش وأنت قاعد لوحدك في المدرسة الطويلة العريضة دي؟!)، رد عليه عبده بصوت عالي:
(لا طبعاً يا بيه، أنا بني أدم وبخاف، بس أعمل أيه؟ لازم أجمد قلبي عشان أعرف أحرس المدرسة من الحرامية إللي ممكن يدخلوا يسرقوها)


ضحك عمرو وقال له بسخرية:
(لا لا.. أنا ماقصدش إنك بتخاف من الحرامية، أنا أقصد مابتخافش من حاجات تانية؟!)
ضحك عبده بصوت عالي وبعد كده جاوب عمرو:
(أيوة أيوة.. تقصد جن وعفاريت، طبعاً بخاف منهم، أنا مافيش حاجة في الدنيا بتخوفني إلا الجن.. ماهو الحرامي، أنت ممكن تضربه بالنار وتموته، مالوش دية، إنما الجن لو طلعلك، هتموته إزاي بقى؟!)



قال عبده كلامه ده وأدى الإزازة لعمرو إللي أخدها منه وبص في وشه وأبتسم وقاله: (وانا كمان يا راجل يا عجوز عمري ما خوفت من حاجة زي ما خوفت من عفريت هدى، تملي بيطلعلي ويقولي "أقتل عبده.. أقتل عبده".. لدرجة إنِي مابقتش بعرف أنام)
أرتبك عبده ورجع لورا وهو بيبرق لعمرو:


(هُد هُدى!!!.. هُدى مين؟!)



مد عمرو إيده ورا ضهره وطلع سكينة وقرب من عبده إللي أول ما سمع إسم هُدى، الخوف خلى جسمه كله بيترعش:
(هُدى إللي أغتصبتها وقتلتها من سنين عشان ماتفضحكش، هُدى البنت المريضة إللي كانت بتدرس في المدرسة هنا ولقوها مقتولة ومرمية جنب صفيحة زبالة!! ايه نسيتها؟؟!)


بلع عبده ريقه ورجع لورا على أمل إنه يهرب، لكنه أتكعبل في كرسي ووقع على ضهره، ومع وقعته على الأرض، شاور لعمرو وقال له وهو بيترجاه:
(أبوس إيدك ماتقتلني، أنا مستعد اعمل أي حاجة عشان ماتقتلنيش، أنا راجل كبير.. يعني رجلي والقبر)،


ماهتمش عمرو بكلامه وقرب منه وطعنه حوالي 10 طعنات، بعدهم كان دمه غرق الأوضة، قرب عمرو بصباعه من الدم وعن طريق شوية منه، كتب على الحيطة جملتين:
(عفريت هُدى قتل عبده)!!!!



وسابه ومشي وهو سايح في دمه، ركب عربيته وقلع الجوانتي إللي كان لابسه عشان البرد، وبعد كده قلع الجوانتي الطبي إللي كان لابسه تحت الجوانتي الصوف، وبعد ما نضف نفسه، ساق العربية وراح عند الكورنيش.. طلع السكينة وبص لها وأبتسم ورماها في النيل، وبعد ماخلص روح بيته وصحي تاني يوم وراح شغله.... كان فاكر إن الدنيا هتبتدي تمشي، لكنها في الحقيقة مامشيتش، عفريت هُدى سابه آه.. لكن عفريت عبده فضل ملازمه في كل كوابيسه، بس المرة دي بقى الكوابيس ماكانتش عادية ولا جواها رسالة، الكوابيس كلها كانت محاولات لقتل عمرو، شبح عبده كان بيطارده في أحلامه عشان ينتقم منه، لأنه قرين لشخص سيئ!!!


ولحد هنا بتخلص القضية، قضية قتل عبده إللي أتحفظت لعدم وجود متهم، النياية ماقدرتش تعرف مين القاتل لأنه ماسابش بصمات وراه ولا حتى كان في حاجة مسروقة من المدرسة أو من الأوضة، وحتى إسم هدى إللي كان مكتوب على الحيطة، ماحدش قدر يوصل لأي حاجة عن طريقه، ماهو ماحدش كان يعرف علاقة هُدى بعمرو، وعشان كده القضية أتحفظت لأن النيابة ماينفعش تقول إن دي جريمة أرتكبها الجن أو أرتكبها قرين لبنت أتقتلت من سنين!!!



محدش عرف مين القاتل الحقيقي غيري.. أنا.. الظابط عمرو إللي عبده أول ماشاف لبسي الميري أطمن لي وفتحلي باب المدرسة، أنا إللي خالفت شرف مهنتي ومشيت ورا كوابيس بشوفها وروحت أنتقمت بدراعي، أنا إللي مارضيتش ابلغ عنه واقول إنه بيعتدي على الأطفال أصحاب الهمم في المدرسة وقَتل واحدة منهم، لأني لو كنت عملت كده، أكيد ماكنش هيتعدم لأن سِنه كبير، بس أنا بدفع تمن كل ده.. بدفع تمن إن أنا نسيت شرع ربنا لما أنتقمت وقتلته من غير حكم محكمة ولا أدلة ولا إدانة، بدفع التمن بقلة نومي إللي وصلتني لحد الجنون، ووصلتني دلوقتي كمان إنِ أكتب مذكراتي وأسيبها قصادي عشان تعرفوا أنا عملت في نفسي كده ليه، بس أنا راضي بصراحة، حتى لو مُتّ عشان أرتاح من الأرق هكون راضي، وحتى لو قالوا عليا شخص مجنون أو مريض نفسي، برضه هكون راضي.. هكون راضي لأني جيبت لهدى حقها....



"تلك كانت مُذكرات ظابط الشرطة" عمرو عياد، المُذكرات التي وجدت على مكتبه بعد أن أنتحر بطلقة خرجت من فوهة مسدسه الميري إلى رأسه مباشرة".


تعليقات

التنقل السريع